رواية
أمام العرش حوار مع رجال مصر من مينا حتى أنور السادات
«انعقدت المحكمة بكامل هيئتها المقدَّسة في قاعة العدل، بجدرانها العالية المنقوشة بالرموز الإلهية، وسقفها المُذهَّب، تسبح في سمائه أحلامُ البشر. أوزوريس في الصدر على عرشه الذهبي، إلى يمينه إيزيس على عرشها، وإلى يساره حورس على عرشه، وعلى مَبعَدة يسيرة من قدمَيه تَربَّع تحوت كاتبُ الآلهة، مُسنِدًا إلى ساقَيه المشتبكتَين الكتابَ الجامع.»
يُعبِّر «نجيب محفوظ» في هذا العمل عن تيارِ القومية المصرية ببراعةٍ فائقة؛ حيث جمَع فيه جميعَ حكَّام مصر من المصريين، منذ عهد «مينا» إلى عهد «السادات»، كما أضفى صفةَ المصرية على حكَّامٍ ليسوا من دماءٍ مصرية خالِصة، لكنهم مِصْريُّو الهوى، مَنحوا هذا البلدَ أعمارَهم، واتَّخذوه وطنًا لهم، مثل «علي بك الكبير»، و«محمد علي باشا». ولعلَّ استلهامَه فكرةَ المُحاكَمة من الأسطورة المصرية القديمة عن العدل في حياة البعث والخلود، التي تَتألَّف من «إيزيس» و«أوزوريس» و«حورس»؛ تدعيمٌ جَليٌّ لهذه القومية. وقد راحت المحكمة تُقاضِي كلَّ حاكِم وتُبرِز إيجابياتِ حُكمه وسلبياته، كما دار حوارٌ طويل بين الحكَّام، بين مؤيِّدٍ ومُعارِض. واستطاع «محفوظ» من خلال هذا العملِ أن يُقدِّم صورةً بانورامية عن تاريخ مصر عبر العصور، مؤكِّدًا أن تقييم تجرِبة الحُكم ليس أمرًا هيِّنًا.