رواية

بداية ونهاية

«في مساء اليوم التالي لم يَبقَ في الدار أحدٌ غير أهلها، وقد كُوِّم أثاثُ حجرة الراحل في ركنٍ منها وأُغلق بابها. واجتمع الأبناء حول أمِّهم وهم يشعرون بأنه آنَ لهم أن يسمعوا لها. وكانت الأمُّ تعلم بأنه ينبغي لها أن تَتكلَّم، ولم يختلط عليها الأمرُ فيما يجب قولُه؛ فقد كانت فكَّرَت فأطالت التفكير، ولعله لم يكن يُحيِّرها شيءٌ مثل هذا التناقض بين ظاهرِها الدالِّ على الحزم والقوة، وباطنِها الذي يَندى رحمةً وعطفًا على أسرتها البائسة. وخفَضَت عينَيها مُتحاميةً النظراتِ المصوَّبةَ نحوها وقالت مصيبتُنا فادحة، ليس لنا إلا الله، والله لا ينسى عبادَه.»

قد يكون الفقرُ قاتلًا بلا رحمة؛ قاتلًا للحياة، وللأمل، وللطموح، وللشرف؛ وهكذا بدأَت مأساةُ أسرة «كامل أفندي علي» وانتهَت؛ بدأت بالموت المفاجئ للأب عائلِ الأسرة، الذي كان يحفظ لها قدرًا يسيرًا من الحياة الكريمة، فيُنهي موتُه هذه الحياة، وتبدأ حياةٌ جديدة عِمادُها الفقر، وسبيلُها الخطيئة، وابنتُها الأنانية؛ فقد عصَفَت الظروفُ الاقتصادية والاجتماعية القاسية للمجتمع المصري خلال الحرب العالمية الثانية بالأسرة المُكوَّنة من ابنةٍ واحدة، وثلاثةِ أبناء وأُم، فتلجأ الابنة «نفيسة» إلى الخياطة ثم تتَّجه إلى الخطيئة، ويلجأ الابن الأكبر «حسن» إلى الجريمة والبلطجة، بينما يُضحِّي الابن الأوسط «حسين» بطموحه في التعليم العالي ودراسة الطب ليعملَ موظفًا متواضِعًا، أما الابن الأصغر «حسنين» فكان أملَ الأسرة في النجاح، واستطاع بمساعدة إخوته أن يدخل الكليةَ الحربية، ولكن الأنانية تغلبه، فيرى إخوتَه عارًا عليه.

بداية ونهاية