رواية

حديث الصباح والمساء

«وصل إلى القاهرة قبل وصول الحملة الفرنسية بأيام، وكان في الإسكندرية من أُسرةِ عطَّارين، ولمَّا انتشر الوباء أهلَك أفرادَها، فلم يُبْقِ على رجلٍ أو امرأةٍ سواه. وكَرِه البلد فقرَّر ويَمَّم شطرَ القاهرة. وكان معه شيءٌ من المال، وميزةٌ نادرة في ذلك الزمان وهي أنه يعرف القراءة والكتابة، لُقِّنها في المعهد الديني قبل أن ينقطع عنه ليُعاون أباه في العطارة، وتَحيَّر في القاهرة فترةً حتى وجد مَأواه في بيتٍ بالغورية، كما وجد عملًا كخازنٍ في وكالة الورَّاق. كان شابًّا قويَّ الجسم غامقَ السُّمرة واضحَ الملامح.»

تحفةٌ أدبية جديدة يَنسجها أسطورةُ الرواية «نجيب محفوظ» عبرَ خمسة أجيال تمتدُّ لقرنَين من الزمان، من قُبيل الحملة الفرنسية على مصر، حين أتى الجدُّ الأكبر ومؤسِّسُ العائلة «يزيد المصري» من الإسكندرية، التي أصابها الوباءُ آنذاك، إلى القاهرة؛ وحتى ثمانينيات القرن العشرين، حيث جيلُ أحفادِ الأحفاد، مُؤرِّخًا لتاريخ المصريين الاجتماعي، والتأثيرات السياسية والاقتصادية عليه. نهرٌ بشري مُمتَد يُؤكِّد على صيرورة الحياة، وحتمية الموت. يخرج «محفوظ» في هذا العمل عن الإطار الزمني التقليدي لسَير الأحداث، مُركِّزًا على الفرد لا على الحدث، فيُقسِّم الرواية إلى أشخاص يُرتِّبهم ترتيبًا أبجديًّا. وبينما يأتي الحفيد في البداية، نصل إلى المؤسِّس الأول في النهاية، وكأنه يُشير إلى بحثِ البشرية الدائم عن أصلها، وأساس تكوينها، فيَسير بنا عبر قرنَين من عُمر العائلة، وعُمر القاهرة، راصدًا شجرةَ العائلة المصرية. .

حديث الصباح والمساء